سورة النمل - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} تثنيةٌ للإنكارِ وتكريرٌ للتوبيخِ وبيانٌ لما يأتونَهُ من الفاحشةِ بطريق التَّصريحِ، وتحليةُ الجملةِ بحرفي التأكيدِ للإيذانِ بأنَّ مضمونَها مما لا يُصدِّق وقوعَه أحدٌ لكمالِ بُعدِه من العقولِ. وإيرادُ المفعولِ بعُنوانِ الرُّجوليةِ لتربيةِ التقبيحِ وتحقيقِ المباينةِ بينها وبين الشهوةِ التي عُلل بها الإتيانُ {مّن دُونِ النساء} متجاوزينَ النساءَ اللاتي هُنَّ محالُّ الشهوةِ {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تفعلونَ فعلَ الجاهلينَ بقبحِه أو تجهلون العاقبةَ أو الجهلُ بمعنى السَّفاهة والمجُون أي بل أنتُم قومٌ سفهاءُ ماجنونَ. والتَّاءُ فيه مع كونِه صفةً لقومٍ لكونِهم في حيِّزِ الخطابِ.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يتنزهونَ عن أفعالِنا أو عن الأقذارِ ويعدّون فعلَنا قذراً. وعن ابنِ عبَّاسٍ رضَي الله تعالَى عنُهمَا أنَّه استهزاءٌ وقد مرَّ في سورةِ الأعرافِ أنَّ هذا الجوابَ هو الذي صدرَ عنُهم في المرَّةِ الأخيرةِ من مراتِ مواعِظِ لوطٍ عليهِ السَّلامُ بالأمرِ والنَّهي لا أنَّه لم يصدْر عنهم كلامُ آخرُ غيرُه.
{فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها} أي قدرنَا أنَّها {مِنَ الغابرين} أي الباقينَ في العذابِ.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} غيرَ معهودٍ {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} قد مرَّ بيانُ كيفيةِ ما جَرى عليهم من العذابِ غيرَ مرَّةٍ.
{قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى} إثرَ ما قصَّ الله تعالى على رسولِه عليه الصَّلاة والسَّلام قصصَ الأنبياءِ المذكورينَ عليهم الصَّلاة والسَّلام وأخبارَهم الناطقةَ بكمالِ قُدرته تعالى وعظمِ شأنِه وبما خصَّهم به من الآياتِ القاهرةِ والمعجزاتِ الباهرةِ الدالَّةِ على جلالةِ أقدارِهم وصحَّةِ أخبارِهم وبيَّن على ألسنتهم حقِّيةَ الإسلامِ والتَّوحيدِ وبطلانَ الكفرِ والإشراكِ وأنَّ من اقتَدى بهم فقد اهتدَى ومن أعرضَ عنهم فقد تردَّى في مَهاوي الرَّدى وشرح صدَره عليهِ الصَّلاة والسَّلام بما في تضاعيفِ تلكِ القصص من فنونِ المعارفِ الرَّبانية ونوَّر قلبَه بأنوارِ الملكاتِ السُّبحانية الفائضةِ من عالمِ القدسِ وقرَّر بذلكَ فحوى ما نطقَ به قولُه عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} أمرهَ عليه الصَّلاة والسَّلام بأنْ يحمدَه تعالى على ما أفاضَ عليه من تلك النِّعمِ التي لا مطمعَ وراءَها لطامعٍ ولا مطمحَ من دونِها لطامحٍ ويسلِّم على كافَّةِ الأنبياءِ الذين من جُمْلتهم الذين قصَّت عليه أخبارُهم التي هي من جُملة المعارفِ التي أوحيتْ إليهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أداءً لحقِّ تقدمِهم واجتهادِهم في الدِّين. وقيلَ هو أمرٌ للوطٍ عليه السَّلامُ بأنْ يحمدَه تعالى على إهلاكِ كَفَرة قومِه ويسلِّم على من اصطفَاه بالعصمةِ عن الفواحشِ والنَّجاةِ عن الهلاكِ ولا يخفى بعدُه.
{الله خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} أي أللَّهُ الذي ذُكرتْ شؤونَه العظيمةُ خيرٌ أمْ مَا يشركونَه به تعالى من الأصنامِ.
ومرجعُ الترديدِ إلى التَّعريضِ بتبكيتِ الكفرةِ من جهتِه تعالى وتسفيِه آرائِهم الركيكةِ والتهكمِ بهم إذْ من البيِّن أنْ ليسَ فيما أشركُوه به تعالى شائبةُ خيرٍ ما حتَّى يمكن أنْ يوازنَ بينَهُ وبينَ مَنْ لا خيرَ إلا خيرُه ولا إلَه غيرُه. وقرئ: {تشركونَ} بالتَّاءِ الفوقانيَّةِ بطريقِ تلوينِ الخطابِ وتوجيهِه إلى الكفرةِ وهو الأليقُ بما بعدَهُ من سياقِ النَّظمِ الكريمِ المبنيِّ على خطابِهم، وجعلُه من جملةِ القولِ المأمورِ به يأباهُ قولُه تعالى فأنبتْنا إلخ فإنَّه صريحٌ في أنَّ التبكيتَ من قبله عزَّ وجلَّ بالذاتِ، وحملُه على أنَّه حكايةٌ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لما أمر به بعبارته كما في قولِه تعالى: {قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} تعسفٌ ظاهر من غيرِ داعٍ إليهِ وأمْ في قولِه تعالى: {أَم مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض} منقطعةٌ وما فيها من كلمةِ بَلْ على القراءةِ الأولى للاضرابِ والانتقالِ من التبكيت تعريضاً إلى التَّصريحِ به خطاباً على وجهٍ أظهرَ منه لمزيد التأكيد والتشديدِ وأمَّا على القراءةِ الثَّانية فلتثنية التبكيتِ وتكريرِ الإلزامِ كنظائرِها الآتيةِ. والهمزةُ لتقريرِهم أي حملِهم على الإقرارِ بالحقِّ على وجهِ الاضطرارِ فإنَّه لا يتمالك أحدٌ ممن له أدنى تمييزٍ ولا يقدرُ على أنْ لا يعترفَ بخيريةِ مَن خلقَ جميعَ المخلوقاتِ وأفاضَ على كلَ منها ما يليقُ به من منافعِه من أخسِّ تلك المخلوقاتِ وأدناها بل بأنْ لا خيريةَ فيه بوجهٍ من الوجوهِ قطعاً. ومَن مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ مع أمِ المُعادِلةِ للهمزةِ تعويلاً على ما سبقَ في الاستفهامِ الأولِ خلا أنَّ تُشركون ههنا بتاءِ الخطابِ على القراءتينِ معاً وهكذا في المواضعِ الأربعةِ الآتية. والمعنى بلْ أمَّن خلقَ قُطري العالمِ الجسمانيِّ ومبدأي منافع ما بينهما {وَأَنزَلَ لَكُمْ} التفاتٌ إلى خطابِ الكَفَرةِ على القِراءةِ الأُولَى لتشديدِ التبكيتِ والإلزامِ أي أَنزل لأجلِكم ومنفعتِكم {مِنَ السماء مَاء} أي نوعاً منه هو المطرُ.
{فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ} أي بساتينَ محدقةً ومحاطةً بالحوائطِ {ذَاتَ بَهْجَةٍ} أي ذاتَ حُسنٍ ورَوْنقٍ يبتهجُ به النُّظَّارُ. {مَّا كَانَ لَكُمْ} أي ما صحَّ وما أمكنَ لكُم {أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} فضلاً عن ثمرها وسائرِ صفاتِها البديعةِ خيرٌ أَمْ ما تُشركون. وقرئ: {أَمَنْ} بالتَّخفيفِ على أنَّه بدلٌ من الله. وتقديمُ صِلَتى الإنزالِ على مفعولِه لما مرَّ مراراً من التَّشويقِ إلى المؤخَّرِ، والالتفاتُ إلى التكلمِ في قوله تعالى: {فَأَنبَتْنَا} لتأكيدِ اختصاصِ الفعلِ بذاتِه تعالى والإيذانِ بأنَّ إنباتَ تلك الحدائقِ المختلفةِ الأصنافِ والأوصافِ والألوانِ والطُّعومِ والرَّوائحِ والأشكالِ مع ما لها من الحُسنِ البارعِ والبهاءِ الرَّائعِ بماءٍ واحدٍ ممَّا لا يكادُ يقدرُ عليه إلا هو وحدَهُ حسبما ينبىءُ عنه تقييدُها بقولِه تعالى: {مَّا كَانَ لَكُمْ} إلخ سواء كانت صفةً لها أو حالاً.
وتوحيدُ وصفها الأولِ أعني ذاتَ بهجةٍ لما أنَّ المَعنى جماعةُ حدائقَ ذاتُ بهجةٍ على نهجِ قولِهم النِّساءُ ذهبتْ وكذا الحالُ في ضميرِ شجِرها. {أءلاه مَّعَ الله} أي أإلهٌ آخرُ كائنٌ مع الله الذي ذُكرَ بعضُ أفعالِه التي لا يكادُ يقدرُ عليها غيرُه حتَّى يتوهَّم جعلَه شريكاً له تعالَى في العبادةِ وهذا تبكيتٌ لهم بنفي الألوهيةِ عمَّا يُشركونه به تعالى في ضمنِ النَّفي الكليِّ على الطريقةِ البُرهانيةِ بعد تبكيتِهم بنفي الخيريةِ عنْهُ بما ذكرَ من التَّرديدِ، فإنَّ أحداً ممَّن له تمييزٌ في الجُملةِ كما لا يقدرُ على إنكارِ انتفاءِ الخيريةِ عنه بالمرةِ لا يكادُ يقدرُ على إنكارِ انتفاءِ الألوهيةِ عنه رأساً لا سيَّما بعد ملاحظةِ انتفاءِ أحكامِها عمَّا سواهُ تعالى وهكذا الحالُ في المواقعِ الأربعةِ الآتيةِ وقيل: المرادُ نفَي أنْ يكونَ معه تعالى إلهٌ آخرُ فيما ذكرَ من الخلقِ وما عطف عليه لكن لا على أنَّ التبكيتَ بنفس ذلك النفي فقط كيفَ لا وهم لا يُنكرونَه حسبما ينطقُ به قولُه تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَّيَقُولَنَّ الله} بل بإشراكِهم به تعالى في العبادةِ ما يعترفون بعدمِ مشاركتِه له تعالى فيما ذكرَ من لوازمِ الألوهيَّةِ كأنَّه قيلَ أإلهٌ آخرُ مع الله في خواصِّ الأُلوهيةِ حتَّى يجعلَ شريكاً له تعالى في العبادةِ وقيل المعنى أغيرُه يُقرن به ويجعلُ له شريكاً في العبادةِ مع تفرُّده تعالى بالخلقِ والتَّكوينِ فالإنكارُ للتوبيخِ والتبكيتِ مع تحقيقِ المنكرِ دون النفي كما في الوجهينِ السابقينِ والأولُ هو الأظهرُ الموافقُ لقولِه تعالى: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إله} والأوفى بحقِّ المقامِ لإفادتِه نفي وجودِ إلهٍ آخرَ معه تعالى رأساً لا نفيَ معيَّته في الخلقِ وفروعِه فقط. وقرئ: {آإلهٌ} بتوسيطِ مدةٍ بينَ الهمزتينِ وبإخراجِ الثَّانيةِ بينَ بينَ. وقرئ: {أإلهاً} بإضماء فعلٍ يناسبُ المقامَ، مثل أتدعونَ أو أتشركونَ.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} إضرابٌ وانتقالٌ من تبكيتِهم بطريقِ الخطابِ إلى بيانِ سوءٍ حالِهم وحكايتِه لغيرِهم أي بل هُم قومٌ عادتُهم العُدولُ عن طريقِ الحقِّ بالكليةِ والإنحرافُ عن الاستقامةِ في كلِّ أمرٍ من الأمورِ فلذلك يفعلونَ ما يفعلونَ من العُدول عن الحقِّ الواضحِ الذي هو التَّوحيدُ والعُكوفُ على الباطلِ البيِّن الذي هو الإشراكُ، وقيل: يعدلونَ به تعالَى غيرَهُ وهو بعيدٌ خالٍ عن الإفادةِ.


{أَم مَّنْ جَعَلَ الأرض قَرَاراً} قيلَ: هو بدلٌ من أمْ مَنْ خلقَ السمواتِ إلخ وكذا ما بعدَه من الجُملِ الثَّلاثِ، وحكم الكلِّ واحدٌ والأظهرُ أنَّ كلَّ واحدةٍ منها إضرابٌ وانتقالٌ من التبكيتِ بما قبلها إلى التبكيتِ بوجهٍ آخرَ أدخلُ في الإلزامِ بجهةٍ من الجهاتِ أي جعلها بحيثُ بستقرُّ عليها الإنسانُ والدوابُّ بإبداءِ بعضِها من الماءِ ودخولها وتسويتِها حسبما تدورُ عليه منافعهُم {وَجَعَلَ خِلاَلَهَا} أوساطَها {أَنْهَاراً} جاريةً ينتفعونَ بها {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ} أي جبالاً ثوابتَ تمنعها أنْ تميدَ بأهلها ويتكونُ فيها المعادنُ وينبعُ في حضيضِها الينابيعُ ويتعلقُ بها من المصالح ما لا يُحصى {وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين} أي العذابِ والمالحِ أو خليجيْ فارسَ والرومِ {حَاجِزاً} برزخاً مانعاً من الممازجةِ وقد مرَّ في سورةِ الفرقانِ، والجعلُ في المواقعِ الثلاثةِ الأخيرةِ إبداعيٌّ وتأخيرُ مفعولِه عن الظرفِ لما مرَّ مراراً من التَّشويقِ {أءلاه مَّعَ الله} في الوجودِ أو في إبداعِ هذه البدائعِ على ما مرَّ. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي شيئاً من الأشياءِ ولذلك لا يفهمونَ بطلانَ ما هُم عليهِ من الشركِ مع كمالِ ظهورِه.


{أَم مَّنْ يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} وهو الذي أحوجتْه شدةٌ من الشَّدائدِ وألجأته إى اللجَأِ والضَّراعةِ إلى الله عزَّ وجلَّ، اسم مفعولٍ من الاضطرارِ الذي هو افتعالٌ من الضِّرورةِ. وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما هو المجهودُ وعن السُّدِّيِّ رحمه الله تعالى مَن لا حولَ له ولا قوةَ، وقيل: المذنبُ إذا استغفرَ. واللامُ للجِنسِ لا للاستغراقِ حتَّى يلزمَ إجابة كلِّ مضطرٍ. {وَيَكْشِفُ السوء} وهُو الذي يعترِي الإنسانَ مما يسوؤُه {وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الأرض} أي خلفاءَ فيها بأنْ ورَّثكم سُكناها والتَّصرفَ فيها ممَّن قبلكم من الأممِ وقيل المرادُ بالخلافةِ الملكُ والتَّسلطُ. {أءلاه مَّعَ الله} الذي يُفيض على كافةِ الأنامِ هذه النعمَ الجسامَ {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} أي تذكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تتذكرونَ، وما مزيدةٌ لتأكيدِ معنى القلَّةِ التي أريدَ بها العدمُ أو ما يجري مجراه في الحقارةِ وعدمِ الجدوى. وفي تذيبلِ الكلامِ بنفي التذكرِ عنهم إيذانٌ بأنَّ مضمونَهُ مركوزٌ في ذهنِ كلِّ ذكيَ وغبيَ وأنَّه من الوضوحِ بحيثُ لا يتوقفُ إلا على التوجِه إليه وتذكره. وقرئ: {تتذكرونَ} على الأصلِ و{تذّكرون} {يذّكرونَ} بالتاءِ والياءِ مع الإدغامِ.
{أَم مَّنْ يَهْدِيكُمْ فِى ظلمات البر والبحر} أي في ظلماتِ الليالي فيهما على أنَّ الإضافةَ للملابسةِ أو في مشتبهاتِ الطرقِ يقالُ طريقةٌ ظلماءُ وعمياءُ للتي لا منارَ بها {وَمَن يُرْسِلُ الرياح بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} وهي المطرُ، ولئن صحَّ أن السببَ الأكثريَّ في تكونِ الريحِ معاودةُ الأدخنةِ الصاعدةِ من الطبقةِ الباردةِ لانكسارِ حرِّها وتمويجِها للهواءِ فلا ريبَ في أنَّ الأسبابَ الفاعليةَ والقابليةَ لذلك كلِّه من خلقِ الله عزَّ وجلَّ، والفاعلُ للسببِ فاعلٌ للمسبَّب قطعاً {أءلاه مَّعَ الله} نفيٌ لأنْ يكونَ معه إلهٌ آخرُ. وقولُه تعالى: {تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} تقريرٌ وتحقيقٌ له، وإظهار الاسمِ الجليلِ في موضعِ الإضمارِ للإشعارِ بعلَّةِ الحُكمِ أي تعالَى وتنزه بذاتِه المنفردةِ بالألُوهيةِ المستتبعةِ لجميعِ صفاتِ الكمالِ ونعوتِ الجمالِ والجلالِ المقتضيةِ لكونِ كلِّ المخلوقاتِ مقهُوراً تحتَ قُدرتِه عمَّا يُشركون أي عنْ وجودِ ما يُشركونَه به تعالَى لا مُطلقاً فإنَّ وجودَه مما لا مردَّ لهُ بلْ عن وجودِه بعُنوانِ كونِه إلهاً وشريكاً له تعالَى أو عن إشراكهم.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11